من عمق نداء الوحدة الوطنية تنتصب بعض المدن شاهدا على واقع تصبو له
عيون الساهرين على تحقيق المصلحة الوطنية ،وتقدم مثالا لابأس به للشعارات المعلنة
واستعدادا طيبا لبذور التوحد في محيط الإثنية والتعدد ،ومن تلك المدن ـوهي تعد على
الأصابع ـ مدينة سيلبابي ،ولاشك أن التعايش في أفق مشترك عندما يمارسه مجتمع متعدد
المشارب متنوع الثقافات والتوجهات فسيفسائي البنية يطرح عدة معضلات من ناحية همزة
الوصل وجسور التلاقي البانية للثقافة الهجينة التي ستغدو الأرضية الجامعة لمختلف
الشرائح ،غير أن الواقع المعاش يبرهن على أنه في ظل وجود نية حسنة اتجاه الآخر
،وتشاطر مهام المصالح ،وديمقراطية المسؤوليات فإنه لن يمكن ضرب التوحد الوطني
كمنجز نبيل ,
سكان مدينة سيلبابي مجتمع هجين :سوننكه ، بولار ، عرب (سمر ـ بيض )
يحسنون لهجات بعضهم البعض بدرجة متميزة جدا فعلى قارعة الطريق تسمع كل لغات أهل
موريتانيا من أفواه الجميع ،كما تتداخل العادات والسلوكيات من مطعم وملبس و عمارة
وملابسات حياة بحيث يتبنى كل فرد أو جماعة ما يحلو لهم من أعراف بكل حرية ومرونة .
مثلا الملحفة والدراعة تجدهما متداولان ومنتشران بكثرة ضمن ملابس
مختلف الشرائح ،مثلهما كمثل الأزياء الأخرى والأطعمة المشاعة والأذواق .
علاقات النسب أيضا حاضرة وتتسلسل منذ عقود داخل عائلات سيلبابية عتيدة
،وينتشر الزواج المختلط بنسبة كبيرة ،وهو أمر يجب تشجيعه لدوره الحيوي في إرساء
الوحدة الحقيقية بين مكونات المجتمع .
ربما تأسست سيلبابي أصلا مقسمة ،يعني حوزة محددة لكل فئة وهذا يتماشى
مع الثقافة الإفريقية التقليدية ،لكن هذه الجدران بدأت تتهاوى تدريجيا ،لتؤسس حضرا
ذا رائحة قروية وصبغة تجارية مختلط الأعراق ،تتجاور فيه كل الفئات ،وفي المنزل
الواحد تسمع ثلاث لهجات وتعجن الألوان بزخرفها المتنوع .
وتكاد اهتمامات الشباب تكون موحدة في المدينة ..رياضة ،أغاني راب ،
أمسيات ،تشاهد الشباب من كل العرقيات يحضرها بحبور ويتمايل على أنغامها بتفاعل تام
.
والمدينة مصب وبوتقة لكل المشارب ،تعيش بين مناكبها كفاءات متميزة
ومتنوعة ،وتصلح أن تقدم كنموذج للتلاقي اللامقصي لأحد ،مما يستلزم التشجيع ولفتة
امتنان و تعهد يزيل النواقص ويحفظ المكتسبات .
عبد الله حرمه
0 التعليقات:
إرسال تعليق