ترجمة المحتوى tradiction

اتحاد الأدباء والكتاب الموريتاني ..طرق على غطاء تابوت


أنطلق من موقف الملاحظ البعيد لحركية التفاعل الثقافي كما جرت بها سفينة الاتحاد في السنوات الأخيرة اجتراحا لطريق البوح الأدبي وتحفيزا له وتنظيما ،ومن زاوية ما تحاول مد البصر إلى ما تم القيام به ،والتماس الموجود على الأرض فعلا ،فمنذ زمن ترتفع أصوات من داخل الاتحاد وخارجه مطالبة بدفع الدماء الزرقاء في أوصاله ،ومد حبل النجاة لاجتذاب حشاشته القارحة من جب الإهمال ،وبعيدا عن الدراسات الرصينة يبدو الاتحاد اليوم موغلا في صمته الناطق ،وضاجا بأصواته الفاقعة الهوائية مفعما بأحراش وأخلاط فاغمة بمختلف الروائح والأمزجة ،يغلب عليها طابع الجوقة المغردة بغير ما يقدم الثقافة والفن ،ثم تترائى صورة الاتحاد باهتة مدفوعة في أحضان المناسبات العابرة ورغبات السلطة ،لتبقى بحيرة الأدب آسنة راكدة ...باستثناء أصوات مخنوقة تصيح في واد يترنم أهلوه بما يرتسم من أهازيج انطفاء مصابيح الثقافة .
يكاد يكون اتحاد الأدباء منذ سنوات ،وفي جانب نشر الأعمال الأدبية تحديدا ،مسؤولا عن رفع الغطاء وتزكية عشرات الدواوين وآحاد المجموعات القصصية التي لا يمكن وصفها إلا بأنها تجارب هابطة ،ضعيفة ،باردة ،الفن الصحيح منها براء ،أعمال نيئة سافرة الخلل ،مفككة الأسلوب ،مسفة المضمون ،وهو أمر غريب كان سببا وسفيرا لإعطاء صورة مغلوطة عن الساحة الإبداعية لدينا بأنها شاحبة وخالية من ذوي الموهبة .
لكنه يخلو من الغرابة إذا علمنا أن النشر خاضع لمبدإ المعارفة والمكارمة في نسيج العلاقات الجماعية بين شخصيات رأس الاتحاد ..وتتنزل تجارب المرأة الشعرية والقصصية في هذا المنوال ،فكم يعجب المرؤ من مطالعة الركاكة مستقطرة في كتاب أطلق عليه مجموعة قصصية للكاتبة (....) ويندى جبينه وهو يقع على نشارة خشب العروض مسماة قصائد للشاعرة (....) بالإضافة لأضمومات كثيرة يعصف بها جفاف المواهب بينما يسرع بها جد المعارفات والمجاملات والمباركات لمزاولين فارغين للكتابة .
فهل كان الاتحاد محفزا للابداع ،أم أنه متلاعب متآمر ؟
ويأتي طغيان الشعر اللهجي على حساب الفصيح لينسجم مع كل ذلك الحصاد المر ،فمنذ فترة معتبرة لم يعد من وجود مرحب به سوى لشعراء العامية ،ولم تعد أصداء ما يصل إلينا من إنتاج غير عنتريات (المغنين) ورجولياتهم وطنطناتهم الجمالية الغازية للغرائز السطحية ،وتراجع الشعر متقهقرا عن كرسيه المهزوز ،قراءة وإبداعا ونشرا ،وليس في الأمر غضاضة من الشعر العامي ..فهو يلبي رغبة ملحة وعميقة ..كما أنه يؤدي دورا حضاريا لامراء فيه ،لكن ومهما كان فإن البوح العامي محدود ويتلاشى أثره بسرعة ،ومايلبث أن يبهت التأثير الفصيح ،مع إغراقه لمتلقيه في ماء الفجاجة الكريه .
طبعا لا أحد ينكر مستوى انتشار (المغنين) ودرجة الاهتمام بهم الشعبي والنخبوي ،وحمى حضورهم الحارة في الاتحاد بمفاصله الحساسة ،ويرى كثير من غيرهم أن هؤلاء سحبوا البساط من تحت أقدام ذوي التقصيد طرا ،ولا تكمن المشكلة في الرواج بحد ذاته بقدر ما تكمن في الستار المسكوت عنه الذي يتولد عن هجرة تدريجية صامتة نحو متن اللغة المحكية (الحسانية).
إن اتحاد الأدباء أيضا بيروقراطية صماء ..لا تتأثر في الغالب بخارطة التنوع الثقافي ،فأين الأدب والفن المكتوب بالفرنسية ..وهو موجود ومتطور ،ناهيك عن أدب الشرائح الاجتماعية الأخرى (البولار ـ السوننكه ـ الولوف ) ودع عنك حيل التبرير المنتقاة من أمثلة للرد على المجادلين .
ومن جملة الغائبين تلك التجارب المعانقة للحداثة ..جملة وتفصيلا ،الاتحاد برمته يتشائم من القصيدة النثرية مثلا ،ويمسك بناصيته غالبا أساطين الذوق التقليدي ،وأستطيع ان أجزم بأن قصيدة التفعيلة لم تقبل كنص بشكل صارم إلا بعد النسخة الأولى من مسابقة أمير الشعراء ! فتأمل .
ويحتاج الاتحاد إلى مراجعة دقيقة لتنظيم المسابقات ،واستصفاء لجان التحكيم ،ومنح الجوائز حيث يدخل هنا أيضا عبث كثير ،واستهتار بالمواهب .      


عبد الله حرمه

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
مستر معلم قالب من